فصل: 169 - مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ لاَ رُعَافٌ ، وَلاَ دَمٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


164 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَكْلُ لُحُومِ الإِبِلِ نِيئَةً وَمَطْبُوخَةً أَوْ مَشْوِيَّةً عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لَحْمُ جَمَلٍ أَوْ نَاقَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ‏,‏ وَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَكْلُ شُحُومِهَا مَحْضَةً ، وَلاَ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ لَحْمِهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى بُطُونِهَا أَوْ رُءُوسِهَا أَوْ أَرْجُلِهَا اسْمُ لَحْمٍ عِنْدَ الْعَرَبِ نَقَضَ أَكْلُهَا الْوُضُوءَ وَإِلاَّ فَلاَ ‏,‏ وَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كُلُّ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ غَيْرَ ذَلِكَ ‏,‏ وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ ‏,‏ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْفُضَيْلِ بْنِ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ‏,‏ قَالَ الْفُضَيْلُ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقَالَ الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ كِلاَهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ ‏:‏ إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ ‏,‏ وَإِنْ شِئْت فَلاَ تَتَوَضَّأْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ‏.‏ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ أَبُو جَعْفَرٍ قَاضِي الرَّيِّ ثِقَةٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ تَعَلَّلَ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى ‏,‏ وَإِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ لَعَلَّ هَذَا الْوُضُوءَ غَسْلُ الْيَدِ ‏,‏ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ ‏,‏ وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ الْقَوْلَ بِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ ، وَلاَ يَرَى فِيهَا الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ ‏:‏ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ‏.‏

وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ ‏,‏ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّتْ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَقَالَ بِهِ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ ‏,‏ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ جُمْلَةً وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو مَيْسَرَةَ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالزُّهْرِيُّ وَسِتَّةٌ مِنْ أَبْنَاءِ النُّقَبَاءِ مِنْ الأَنْصَارِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْمَرٌ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَغَيْرُهُمْ ‏,‏ وَلَوْلاَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ‏.‏ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ‏:‏ كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَصَحَّ نَسْخُ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ ، حدثنا حَجَّاجٌ قَالَ ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قُرِّبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزٌ وَلَحْمٌ فَأَكَلَ ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ

قال أبو محمد ‏:‏ الْقَطْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنْ هَذَا قَوْلٌ بِالظَّنِّ ‏,‏ وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ بَلْ هُمَا حَدِيثَانِ كَمَا وَرَدَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

وَأَمَّا كُلُّ حَدِيثٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَنَحْوُ ذَلِكَ ‏:‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّ أَحَادِيثَ إيجَابِ الْوُضُوءِ هِيَ الْوَارِدَةُ بِالْحُكْمِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ الَّتِي هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ ‏,‏ وَلَوْلاَ حَدِيثُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمَا حَلَّ لاَِحَدٍ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

فإن قيل ‏:‏ لِمَ خَصَّصْتُمْ لُحُومَ الإِبِلِ خَاصَّةً مِنْ جُمْلَةِ مَا نُسِخَ مِنْ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ

قلنا ‏:‏ لاَِنَّ الأَمْرَ الْوَارِدَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ فِيهَا خَاصَّةً ‏,‏ سَوَاءٌ مَسَّتْهَا النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهَا النَّارُ ‏,‏ فَلَيْسَ مَسُّ النَّارِ إيَّاهَا إنْ طُبِخَتْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْهَا ‏,‏ بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ مِنْهَا كَمَا هِيَ ‏,‏ فَحُكْمُهَا خَارِجٌ عَنْ الأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ ‏,‏ وَبِنَسْخِ الْوُضُوءِ مِنْهُ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا أَكْلُهَا بِنِسْيَانٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِ أَنَّهُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ وَتَرْكُهُ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ فِي إيجَابِ حُكْمِ النِّسْيَانِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

165 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَمَسُّ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَ بِأَيِّ عُضْوٍ مَسَّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ‏,‏ إذَا كَانَ عَمْدًا ‏,‏ دُونَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ ‏,‏ سَوَاءٌ أُمُّهُ كَانَتْ أَوْ ابْنَتُهُ ‏,‏ أَوْ مَسَّتْ ابْنَهَا أَوْ أَبَاهَا ‏,‏ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ سَوَاءٌ ‏,‏ لاَ مَعْنَى لِلَّذَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَّهَا عَلَى ثَوْبٍ لِلَّذَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ ‏,‏ وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الظَّاهِرِ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا‏}‏‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَالْمُلاَمَسَةُ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ ‏,‏ وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ ‏,‏ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي هَذَا لاَِنَّ أَوَّلَ الآيَةِ وَآخِرَهَا عُمُومٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا‏.‏فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لاَزِمٌ لِلرِّجَالِ إذَا لاَمَسُوا النِّسَاءَ ‏,‏ وَالنِّسَاءِ إذَا لاَمَسْنَ الرِّجَالَ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ ‏,‏ وَلاَ لَذَّةً مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ ‏,‏ فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ اللَّمْسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَاسًا مِنْ لِمَاسٍ فَلاَ يُبَيِّنُهُ‏.‏ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى اللِّمَاسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ بِحَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ ، وَلاَ يَتَوَضَّأُ وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ لاَِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو رَوْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ‏,‏

وَمِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ اسْمُهُ عُرْوَةُ الْمُزَنِيّ ‏,‏ وَهُوَ مَجْهُولٌ ‏,‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ عَنْ أَصْحَابٍ لَهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ ‏,‏ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لاَِنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ لاَِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ ‏,‏ وَوَرَدَتْ الآيَةُ بِشَرْعٍ زَائِدٍ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ ، وَلاَ تَخْصِيصُهُ‏.‏ وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْتَمَسْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ أَجِدْهُ ‏,‏ فَوَقَعَتْ يَدَيْ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَاصِدِ إلَى اللَّمْسِ ‏,‏ لاَ عَلَى الْمَلْمُوسِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ هُوَ إلَى فِعْلِ الْمُلاَمَسَةِ ‏;‏ لاَِنَّهُ لَمْ يُلاَمِسْ ‏,‏ وَدَلِيلٌ آخَرُ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي صَلاَةٍ ‏,‏ وَقَدْ يَسْجُدُ الْمُسْلِمُ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ ‏,‏ لاَِنَّ السُّجُودَ فِعْلُ خَيْرٍ ‏,‏ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي صَلاَةٍ وَهَذَا مَا لاَ يَصِحُّ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ ‏,‏ وَلاَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً مُسْتَأْنَفَةً دُونَ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ‏,‏ فَإِذًا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي صَلاَةٍ ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام تَمَادَى عَلَيْهَا أَوْ صَلَّى غَيْرَهَا دُونَ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ أَبَدًا فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقًا لِلْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَهِيَ حَالٌ لاَ مِرْيَةَ فِي نَسْخِهَا وَارْتِفَاعِ حُكْمِهِ بِنُزُولِ الآيَةِ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ الأَخْذُ بِمَا قَدْ تُيُقِّنَ نَسْخُهُ وَتَرْكُ النَّاسِخِ ‏,‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَالْخَبَرُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ وَأُمَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاتِقِهِ يَضَعُهَا ‏,‏ إذَا سَجَدَ ‏,‏ وَيَرْفَعُهَا إذَا قَامَ

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ أَنَّ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا لَمَسَتْ شَيْئًا مِنْ بَشَرَتِهِ عليه السلام ‏,‏ إذْ قَدْ تَكُونُ مُوَشَّحَةً بِرِدَاءٍ أَوْ بِقُفَّازَيْنِ وَجَوْرَبَيْنِ ‏,‏ أَوْ يَكُونُ ثَوْبُهَا سَابِغًا يُوَارِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا ‏,‏ وَهَذَا الأَوْلَى أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ ‏,‏ فَيَكُونَ كَاذِبًا ‏,‏ وَإِذَا كَانَ مَا ظَنُّوا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ وَمَا

قلنا مُمْكِنًا ‏,‏ وَاَلَّذِي لاَ يُمْكِنُ غَيْرُهُ ‏,‏ فَقَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَحِلَّ تَرْكُ الآيَةِ الْمُتَيَقَّنِ وُجُوبُ حُكْمِهَا لِظَنٍّ كَاذِبٍ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا‏}‏‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ ‏,‏ وَالآيَةُ مُتَأَخِّرَةُ النُّزُولِ ‏,‏ فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام مَسَّ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا فِي الصَّلاَةِ لَكَانَ مُوَافِقًا لِلْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ ‏,‏ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ يَحِلُّ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَتَرْكُ النَّاسِخِ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّهُمْ يُوهَمُونَ بِأَخْبَارٍ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا ‏,‏ يَرُومُونَ بِهَا تَرْكَ الْيَقِينِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قُبْلَةٌ ، وَلاَ مُلاَمَسَةٌ لِلَذَّةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يَقْبِضَ بِيَدِهِ عَلَى فَرْجِهَا كَذَلِكَ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يُبَاشِرَهَا بِجَسَدِهِ دُونَ حَائِلٍ وَيَنْعَظُ فَهَذَا وَحْدَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ وُضُوءَ مِنْ مُلاَمَسَةِ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ ‏,‏ وَلاَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ ‏,‏ إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ ‏,‏ تَحْتَ الثِّيَابِ أَوْ فَوْقَهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الْمُلاَمَسَةُ لِلَّذَّةِ فَعَلَى الْمُلْتَذِّ مِنْهُمَا الْوُضُوءُ سَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ الثِّيَابِ أَوْ تَحْتَهَا ‏,‏ أَنْعَظَ أَوْ لَمْ يُنْعِظْ ‏,‏ وَالْقُبْلَةُ كَالْمُلاَمَسَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏.‏

وقال الشافعي كَقَوْلِنَا ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَسَّ شَعْرِ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ‏.‏

قال أبو محمد أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ ‏,‏ وَلاَ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّقُ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ فِي الآيَةِ ‏:‏ إنَّ الْمُلاَمَسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا هُوَ الْجِمَاعُ فَقَطْ لاَِنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا إنْعَاظٌ ‏,‏

وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْقُبْلَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ‏.‏ وَبَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ ‏,‏ وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يُؤَيِّدْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ وَمِنْ مُنَاقَضَاتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ ‏,‏ وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ فِي الطَّلاَقِ ‏,‏ بِخِلاَفِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ ‏,‏ وَهَذَا كَمَا تَرَى لاَ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَلاَ التَّعَلُّقَ بِالسُّنَّةِ ، وَلاَ طَرْدَ قِيَاسٍ ، وَلاَ سَدَادَ رَأْيٍ ، وَلاَ تَقْلِيدَ صَاحِبٍ ‏,‏ وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ ‏,‏ فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ ضَبْطِ قِيَاسٍ ، وَلاَ احْتِيَاطٍ ‏,‏

وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ فَقَوْلٌ لاَ يُعَضِّدُهُ أَيْضًا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ بَلْ هُوَ خِلاَفُ ذَلِكَ كُلِّهِ ‏,‏ وَهَذِهِ الأَقْوَالُ الثَّلاَثَةُ كَمَا أَوْرَدْنَاهَا لَمْ نَعْرِفْ ، أَنَّهُ قَالَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ ‏:‏ إذَا قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَعَنْ حَمَّادٍ ‏:‏ أَيُّ الزَّوْجَيْنِ قَبَّلَ صَاحِبَهُ وَالآخَرُ لاَ يُرِيدُ ذَلِكَ ‏,‏ فَلاَ وُضُوءَ عَلَى الَّذِي لاَ يُرِيدُ ذَلِكَ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَجِدَ لَذَّةً ‏,‏ وَعَلَى الْقَاصِدِ لِذَلِكَ الْوُضُوءُ‏.‏

قلنا ‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادٍ إيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ عَلَى الْقَاصِدِ بِكُلِّ حَالٍ ‏,‏ وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَاللَّذَّةُ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ ‏,‏ وَبِهِ نَقُولُ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ مَالِكٍ‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْمُلاَمَسَةِ إلاَّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا شَهْوَةٌ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ يَجِبُ مِنْ الشَّهْوَةِ دُونَ مُلاَمَسَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لاَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ إيجَابُ الْوُضُوءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا

166 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَإِيلاَجُ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ‏,‏ كَانَ مَعَهُ إنْزَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ، حدثنا هِشَامٌ ، هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَكْسَلُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْوُضُوءُ لاَ بُدَّ مِنْهُ مَعَ الْغُسْلِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

167 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَحَمْلُ الْمَيِّتِ فِي نَعْشٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الأَسَدِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهَا فَلْيَتَوَضَّأْ

قال أبو محمد ‏:‏ يَعْنِي الْجِنَازَةَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ ثِقَةٌ مَدَنِيٌّ وَتَابِعِيٌّ ‏,‏ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْكُوفِيُّ وَغَيْرُهُ ‏,‏ وَرَوَى عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ ‏:‏ كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي جِنَازَةٍ ‏,‏ فَلَمَّا جِئْنَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ‏,‏ فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْتَهُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِي ‏:‏ أَمَا تَوَضَّأْتَ قُلْت ‏:‏ لاَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ إذَا صَلَّى أَحَدُهُمْ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ تَوَضَّأَ ‏,‏ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَدْعُو بِالطَّشْتِ فَيَتَوَضَّأُ فِيهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُمْ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ لاَِنَّ الصَّلاَةَ عَلَى الْجِنَازَةِ حَدَثٌ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ إلاَّ إتْبَاعُ السُّنَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ‏,‏ وَالسُّنَّةُ تَكْفِي‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الَّتِي لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ كَثِيرًا ‏,‏ كَالأَبْوَابِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِبَابَيْنِ ‏,‏ وَكَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ دُونَ مَا لاَ يَمْلَؤُهُ مِنْهُ ‏,‏ وَسَائِرُ الأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ ‏,‏ لَمْ يَتَعَلَّقُوا فِيهَا بِقُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِقَوْلِ قَائِلٍ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

168 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَظُهُورُ دَمِ الاِسْتِحَاضَةِ أَوْ الْعِرْقِ السَّائِلِ مِنْ الْفَرْجِ إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَلاَ بُدَّ لِكُلِّ صَلاَةٍ تَلِي ظُهُورَ ذَلِكَ الدَّمِ سَوَاءٌ تَمَيَّزَ دَمُهَا أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ‏,‏ عَرَفَتْ أَيَّامَهَا أَوْ لَمْ تَعْرِفْ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ‏:‏ اُسْتُحِيضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏:‏ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ ‏,‏ فَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ ‏,‏ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك أَثَرَ الدَّمِ وَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا كَانَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ ‏,‏ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلاَةِ ‏,‏ وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّهُ عِرْقٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَعَمَّ عليه السلام كُلَّ دَمٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ دَمِ الْحَيْضَةِ وَلَمْ يَخُصَّ وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ ‏,‏ لاَِنَّهُ عِرْقٌ‏.‏ وَمِمَّنْ قَالَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَلَى الَّتِي يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ مِنْ فَرْجِهَا مُتَّصِلاً بِدَمِ الْمَحِيضِ ‏:‏ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ‏.‏ قَالَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، ‏:‏ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ ‏,‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ ‏,‏ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ ‏,‏ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الَّتِي يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ إنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ ‏,‏ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ‏:‏ الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وقال أبو حنيفة فِي الْمُتَّصِلَةِ الدَّمِ كَمَا ذَكَرْنَا ‏:‏ إنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِدُخُولِ كُلِّ وَقْتِ صَلاَةٍ ‏,‏ فَتَكُونُ طَاهِرًا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ ‏,‏ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلاَةٍ أُخْرَى فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لَهَا‏.‏ وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ ‏:‏ إذَا تَوَضَّأَتْ إثْرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلصَّلاَةِ أَنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا إلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ ‏,‏ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ ‏,‏ وَحَكَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلاَّ أَنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا إلَى دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ‏.‏ وَغَلَّبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ‏.‏ بَلْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ وُضُوءَ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الدَّمِ إلاَّ اسْتِحْبَابًا لاَ إيجَابًا ‏,‏ وَهِيَ طَاهِرٌ مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ‏.‏

وقال الشافعي وَأَحْمَدُ ‏:‏ عَلَيْهَا فَرْضًا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَتُصَلِّيَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا أَحَبَّتْ ‏,‏ قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ ‏,‏ لاَِنَّهُ خِلاَفٌ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُنْقَطِعِ مِنْ الْخَبَرِ إذَا وَافَقَهُمْ ‏,‏ وَهَهُنَا مُنْقَطِعٌ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا أَخَذُوا بِهِ ‏,‏ وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَتْ ‏:‏ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ لاَ ‏,‏ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ ‏,‏ فَاجْتَنِبِي الصَّلاَةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ وَصَلِّي ‏,‏ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ قَالُوا هَذَا عَلَى النَّدْبِ ‏,‏ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ وَكُلُّ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنَّا لاِسْتِطْهَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَّهُ نَدْبٌ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ ‏,‏

وَهَذَا قَوْلٌ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا مَعَ خِلاَفِهِ لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا فِي قَوْلِهِمْ هَذَا ‏,‏ لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ أَيْضًا لاَِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ‏,‏ وَمُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَلِلْقِيَاسِ ‏,‏ وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ طَهَارَةً تَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ وَقْتٍ وَتَصِحُّ بِكَوْنِ الْوَقْتِ قَائِمًا ‏,‏ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا ‏:‏ قَدْ وَجَدْنَا الْمَاسِحَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُمَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ لَهُمَا فَنَقِيسُ عَلَيْهِمَا الْمُسْتَحَاضَةَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لاَِنَّهُ قِيَاسٌ خَطَأٌ وَعَلَى خَطَإٍ ‏,‏ وَمَا انْتَقَضَتْ قَطُّ طَهَارَةُ الْمَاسِحِ بِانْقِضَاءِ الأَمَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ ‏,‏ وَيُصَلِّي مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ بِحَدَثٍ مِنْ الأَحْدَاثِ ‏,‏ وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ مِنْ الاِبْتِدَاءِ لِلْمَسْحِ فَقَطْ ‏,‏ لاَ بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا ذَكَرُوا فِي الْمَاسِحِ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لَكَانَ قِيَاسُهُمْ هَذَا بَاطِلاً لاَِنَّهُمْ قَاسُوا خُرُوجَ وَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ عَلَى انْقِضَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ ‏,‏ وَعَلَى انْقِضَاءِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ فِي السَّفَرِ‏.‏ وَهَذَا قِيَاسٌ سَخِيفٌ جِدًّا ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانُوا يَكُونُونَ قَائِسِينَ عَلَى مَا ذَكَرُوا لَوْ جَعَلُوا الْمُسْتَحَاضَةَ تَبْقَى بِوُضُوئِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ ‏,‏ وَثَلاَثَةً فِي السَّفَرِ ‏,‏ وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا لَوَجَدُوا فِيمَا يُشْبِهُ بَعْضَ ذَلِكَ سَلَفًا ‏,‏ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمْ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ ‏,‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ هَذَا فَعَارٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ سَلَفٌ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ حُجَّةً ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ‏.‏

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمْ ‏;‏ لاَِنَّ أَثَرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ هُوَ وَقْتُ صَلاَةِ فَرْضٍ مَارًّا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ ‏,‏ وَهُوَ وَقْتُ تَطَوُّعٍ ‏,‏ فَالْمُتَوَضِّئَةُ فِيهِ لِلصَّلاَةِ كَالْمُتَوَضِّئَةِ لِصَلاَةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ‏,‏ وَلاَ يُجْزِيهَا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَخَطَأٌ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ فِي الدِّينِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ طَاهِرًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ تَطَوُّعًا وَمُحْدِثًا غَيْرَ طَاهِرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً ‏,‏ هَذَا مَا لاَ خَفَاءَ بِهِ وَلَيْسَ إلاَّ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ مُحْدِثَةً فَمَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ لاَ فَرْضًا ، وَلاَ نَافِلَةً‏.‏ وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ ‏:‏ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً قَبْلَ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلاَتَيْ فَرْضٍ ‏,‏ فَهَذَا هُوَ نَظَرُهُمْ وَقِيَاسُهُمْ

وَأَمَّا تَعَلُّقٌ بِأَثَرٍ ‏,‏ فَالآثَارُ حَاضِرَةٌ وَأَقْوَالُهُ حَاضِرَةٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏,‏ وَهُمْ كُلُّهُمْ يَشْغَبُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ وَجَمِيعُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَائِشَةَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي ذَلِكَ وَخَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ فِي ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا ‏,‏ فَصَارَتْ أَقْوَالُهُمْ مُبْتَدَأَةً مِمَّنْ قَالَهَا بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

169 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ لاَ رُعَافٌ ، وَلاَ دَمٌ سَائِلٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ مِنْ الأَسْنَانِ أَوْ مِنْ الإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ ‏,‏ وَلاَ حِجَامَةٌ ، وَلاَ فَصْدٌ ‏,‏ وَلاَ قَيْءٌ كَثُرَ أَوْ قَلَّ ‏,‏ وَلاَ قَلْسٌ ، وَلاَ قَيْحٌ ، وَلاَ مَاءٌ ، وَلاَ دَمٌ تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنْ فَرْجِهَا ‏,‏ وَلاَ أَذَى الْمُسْلِمِ ، وَلاَ ظُلْمُهُ ‏,‏ وَلاَ مَسُّ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ ، وَلاَ الرِّدَّةُ ، وَلاَ الإِنْعَاظُ لِلَذَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ ‏,‏ وَلاَ الْمَعَاصِي مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ لاَ عُذْرَةَ عَلَيْهِ ‏,‏ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّودُ وَالْحَجَرُ وَالْحَيَّاتُ ‏,‏ وَلاَ حُقْنَةٌ ، وَلاَ تَقْطِيرُ دَوَاءٍ فِي الْمَخْرَجَيْنِ ، وَلاَ مَسُّ حَيَا بَهِيمَةٍ ، وَلاَ قُبُلَهَا ‏,‏ وَلاَ حَلْقُ الشَّعْرَ بَعْدَ الْوُضُوءِ ‏,‏ وَلاَ قَصُّ الظُّفْرِ ، وَلاَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ قَصَّةٍ بَيْضَاءَ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ دَمٍ أَحْمَرَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَيْضٌ ‏,‏ وَلاَ الضَّحِكُ فِي الصَّلاَةِ ‏,‏ وَلاَ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

بُرْهَانُ إسْقَاطِنَا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ وُضُوءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ شَرَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الإِنْسِ وَالْجِنِّ إلاَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ‏,‏ وَمَا عَدَاهَا فَبَاطِلٌ ‏,‏ وَلاَ شَرْعَ إلاَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتَانَا بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا كَانَ الْمُخَالِفُونَ فِيهِ حَاضِرِينَ ‏,‏ وَنَضْرِبُ عَمَّا قَدْ دَرَسَ الْقَوْلَ بِهِ إلاَّ ذِكْرًا خَفِيفًا‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ كُلُّ دَمٍ سَائِلٍ أَوْ قَيْحٍ سَائِلٍ أَوْ مَاءٍ سَائِلٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ سَالَ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَسِلْ لَمْ يُنْقَضْ الْوُضُوءُ مِنْهُ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الأَنْفِ أَوْ الآُذُنِ ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الأَنْفِ أَوْ الآُذُنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَمًا أَوْ قَيْحًا فَبَلَغَ إلَى مَوْضِعِ الاِسْتِنْشَاقِ مِنْ الأَنْفِ أَوْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ الْغُسْلُ مِنْ دَاخِلِ الآُذُنِ فَالْوُضُوءُ مُنْتَقِضٌ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْوُضُوءُ ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الأَنْفِ مُخَاطٌ أَوْ مَاءٌ فَلاَ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الآُذُنِ مَاءٌ فَلاَ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْفَمِ أَوْ مِنْ اللِّثَاتِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ غَالِبًا عَلَى الْبُزَاقِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَمْلاَْ الْفَمَ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْبُزَاقِ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ ‏,‏ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَيُسْتَحْسَنُ فَيَأْمُرُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ دَمٌ فَظَهَرَ وَلَمْ يَسِلْ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ ‏,‏ فَإِنْ سَالَ فَفِيهِ الْوُضُوءُ ‏,‏ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ دُودٌ أَوْ لَحْمٌ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ الدُّودُ مِنْ الدُّبُرِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ ‏,‏ فَإِنْ عَصَبَ الْجُرْحَ نَظَرَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَوْ تُرِكَ سَالَ فَفِيهِ الْوُضُوءُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَسِلْ فَلاَ وُضُوءَ‏.‏ قَالَ

وَأَمَّا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَكُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْفَمِ ‏,‏ فَإِنْ مَلاََ الْفَمَ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَمْلاَْ الْفَمَ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ ‏,‏ وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَا يَمْلاَُ الْفَمَ بِمِقْدَارِ اللُّقْمَةِ عَلَى أَنَّ اللُّقْمَةَ تَخْتَلِفُ وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ فِي الْفَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَاشَا الْبَلْغَمَ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ وَإِنْ مَلاََ الْفَمَ وَكَثُرَ جِدًّا ‏,‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ بَلْ فِيهِ الْوُضُوءُ إذَا مَلاََ الْفَمَ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلاَّ الدَّمَ ‏,‏ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ ‏:‏ إنْ خَرَجَ مِنْ اللَّثَاةِ أَوْ فِي الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْفَمِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ إلاَّ أَنْ يَمْلاََ الْفَمَ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ ‏,‏ وَقَالَ زُفَرُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلاَّ الْقَلْسُ ‏,‏ فَإِنَّهُ قَالَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقْبَلُ ، وَلاَ كَرَامَةَ إلاَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَلِّغِ عَنْ خَالِقِنَا وَرَازِقِنَا تَعَالَى أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ‏,‏

وَأَمَّا مِنْ أَحَدٍ دُونَهُ فَهُوَ هَذَيَانٌ وَتَخْلِيطٌ كَتَخْلِيطِ الْمُبَرْسَمِ وَأَقْوَالٍ مَقْطُوعٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَلَمْ يُؤَيِّدُهَا مَعْقُولٌ ، وَلاَ نَصٌّ ، وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ أَفَيَسُوغُ لِمَنْ يَأْتِي بِهَذِهِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَفِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ إذَا رَعَفَ أَحَدٌ فِي الصَّلاَةِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ ‏,‏ أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعْ فَيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ ، وَلاَ يَسْتَقْبِلُهَا جَدِيدًا وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ قَلَسَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَانِ الأَثَرَانِ سَاقِطَانِ ‏;‏ لاَِنَّ وَالِدَ ابْنِ جُرَيْجٍ لاَ صُحْبَةَ لَهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ ‏,‏ وَالآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ سَاقِطٌ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ لاَِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ وَمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ ‏,‏ وَلاَ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَفَّاطَةٍ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمَا يَسِيلُ مِنْ الأَنْفِ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ، وَلاَ فِيهِ ذِكْرُ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْجَوْفِ ، وَلاَ مِنْ الْجَسَدِ ، وَلاَ مِنْ اللَّثَاةِ ، وَلاَ مِنْ الْجُرْحِ ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِمَا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَالرُّعَافُ فَقَطْ فَلاَ عَلَى الْخَبَرَيْنِ اقْتَصَرُوا ‏,‏ كَمَا فَعَلُوا بِزَعْمِهِمْ فِي خَبَرِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ ‏,‏ وَلاَ قَاسُوا عَلَيْهِمَا فَطَرَدُوا قِيَاسَهُمْ ‏,‏ لَكِنْ خَلَّطُوا تَخْلِيطًا خَرَجُوا بِهِ إلَى الْهَوَسِ الْمَحْضِ فَقَطْ ‏,‏ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ وَقَدْ خَالَفُوهُ‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ ‏,‏ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ‏:‏ صَدَقْتَ ‏,‏ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ ‏:‏ اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْطَرَ وَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فِيهِ يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَا مَشْهُورَيْنِ

وَالثَّانِي مُدَلِّسٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى مِنْ يَعِيشَ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ‏;‏ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَقَيَّأَ فَلْيَتَوَضَّأْ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ وُضُوءَهُ عليه السلام كَانَ مِنْ أَجْلِ الْقَيْءِ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام التَّيَمُّمُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَمْلاَُ الْفَمَ مِنْ الْقَيْءِ وَبَيْنَ مَا لاَ يَمْلَؤُهُ ‏,‏ وَلاَ فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرَ الْقَيْءِ ‏,‏ فَلاَ عَلَى مَا فِيهِمَا اقْتَصَرُوا ‏,‏ وَلاَ قَاسُوا عَلَيْهِمَا قِيَاسًا مُطَّرِدًا‏.‏ وَذَكَرُوا أَيْضًا الْحَدِيثَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ

وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ وَأَوْجَبَ عليه السلام فِيهِ الْوُضُوءَ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِرْقٍ سَائِلٍ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا قِيَاسٌ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لاَِنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ أَنْ يَقِيسُوا دَمَ الْعِرْقِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى دَمِ الْحَيْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ ‏,‏ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ عَلَى دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ ‏,‏ وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْقَيْحُ عَلَى الدَّمِ ‏,‏ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ادِّعَاءِ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَأَبِي مِجْلَزٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ ‏,‏ وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ النَّفَّاطَةِ عَلَى الدَّمِ وَالْقَيْحِ ‏,‏ وَلاَ يُقَاسُ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ الأَنْفِ وَالآُذُنِ عَلَى الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ النَّفَّاطَةِ ‏,‏ وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَمُ الْعِرْقِ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ‏,‏ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ‏,‏ وَيَكُونَ الْقَيْءُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلاَّ حَتَّى يَمْلاََ الْفَمَ ‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَقِيسُوا الدُّودَ الْخَارِجَ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى الدُّودِ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ ‏,‏ وَهَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ فِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قِسْنَا كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِطِ لاَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَجَاسَةٌ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ قَدْ وَجَدْنَا الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَيْسَتْ نَجَاسَةً ‏,‏ فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَيْهَا الْجَشْوَةَ وَالْعَطْسَةَ ‏,‏ لاَِنَّهَا رِيحٌ خَارِجَةٌ مِنْ الْجَوْفِ كَذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَذَا فَنَقَضْتُمْ الْوُضُوءَ بِقَلِيلِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَكَثِيرِهِ ‏,‏ وَلَمْ تَنْقُضُوا الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ وَالْمَاءِ إلاَّ بِمِقْدَارِ مِلْءِ الْفَمِ أَوْ بِمَا سَالَ أَوْ بِمَا غَلَبَ ‏,‏ وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَرْكٌ لِلْقِيَاسِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قَدْ رُوِيَ الْوُضُوءُ مِنْ الرُّعَافِ وَمِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَفِي الرُّعَافِ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ نَعَمْ‏.‏ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهم ، وَعَنْ عَطَاءٍ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَلْسِ وَالْقَيْءِ وَالْقَيْحِ ‏,‏ وَعَنْ قَتَادَةَ فِي الْقَيْحِ ‏,‏ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الْقَلْسِ ‏,‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقَيْءِ ‏,‏

قلنا ‏:‏ نَعَمْ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِمِلْءِ الْفَمِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلاَءِ نُظَرَاؤُهُمْ‏.‏

فَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ أَنَّهُ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي أَنْفِهِ فَخَرَجَ فِيهَا دَمٌ فَفَتَّهُ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ‏,‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏:‏ أَنَّهُ عَصَرَ بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فَفَتَّهُ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ وَقَامَ فَصَلَّى ‏,‏ وَعَنْ طَاوُوس أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الرُّعَافِ وُضُوءًا وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الرُّعَافِ وُضُوءًا ‏,‏ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الْقَلْسِ وُضُوءًا ‏,‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الْقَلْسِ وُضُوءًا‏.‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ لاَ يَرَوْنَ الْغُسْلَ مِنْ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الذَّكَرِ لِغَيْرِ لَذَّةٍ ‏,‏ وَهُوَ الْمَنِيُّ نَفْسُهُ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام فِيهِ الْغُسْلَ ثُمَّ يُوجِبُونَ الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْحِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَجْهِ قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْيِهِ عَنْ الذَّكِيَّةِ بِالسِّنِّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ ‏,‏ فَرَأَوْا الذَّكَاةَ غَيْرَ جَائِزَةٍ بِكُلِّ عَظْمٍ ‏,‏ ثُمَّ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ عليه السلام فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهُ عِرْقٌ فَقَاسُوا عَلَى دَمِ الرُّعَافِ وَاللَّثَاةِ وَالْقَيْحِ فَهَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ بِالْقِيَاسِ ‏,‏ وَمِقْدَارُ اتِّبَاعِهِمْ لِلآثَارِ ‏,‏ وَمِقْدَارُ تَقْلِيدِهِمْ مَنْ سَلَفَ‏.‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ لِلْمَخْرَجِ وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخَارِجِ وَعَظُمَ تَنَاقُضُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَتَعْلِيلُ كِلاَ الرَّجُلَيْنِ مُضَادٌّ لِتَعْلِيلِ الآخَرِ وَمُعَارِضٌ لَهُ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا خَطَأٌ ‏;‏ لاَِنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ ‏,‏ وَدَعْوَى لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيَّيْنِ وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا ‏:‏ قَدْ وَجَدْنَا الْخَارِجَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مُخْتَلِفَ الْحُكْمِ ‏,‏ فَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَدَمِ النِّفَاسِ ‏,‏ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ ‏,‏ وَمِنْهُ مَا لاَ يُوجِبُ شَيْئًا كَالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَأَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ دُونَ أَنْ تُوجِبُوا فِيهِ الْغُسْلَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ دُونَ أَنْ لاَ تُوجِبُوا فِيهِ شَيْئًا قِيَاسًا عَلَى مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ هَذَا إلاَّ التَّحَكُّمُ بِالْهَوَى الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُكْمَ بِهِ وَبِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ‏,‏ وَمَعَ فَسَادِ الْقِيَاسِ وَمُعَارَضَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا‏.‏

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلَمْ يَقِيسُوا هَهُنَا فَوُفِّقُوا ‏,‏ وَلاَ عَلَّلُوا هَهُنَا بِخَارِجٍ ، وَلاَ بِمَخْرَجٍ ، وَلاَ بِنَجَاسَةٍ فَأَصَابُوا ‏,‏ وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي تَعْلِيلِهِمْ الْمُلاَمَسَةَ بِالشَّهْوَةِ ‏,‏ وَفِي تَعْلِيلِهِمْ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ‏,‏ وَالْفَأْرَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ ‏,‏ لَوُفِّقُوا وَلَكِنْ لَمْ يُطَرِّدُوا أَقْوَالَهُمْ‏.‏ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا‏.‏ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ ‏,‏ وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مُرْسَلاَتٍ لَمْ يَأْخُذُوا بِهَا ‏,‏ وَهَذَا أَيْضًا تَنَاقُضٌ‏.‏

وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ

رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، قَالَتْ ‏:‏ يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ ‏,‏ وَلاَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا لاَِخِيهِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه‏:‏ لاََنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ الْحَدَثُ حَدَثَانِ ‏,‏ حَدَثُ الْفَرْجِ وَحَدَثُ اللِّسَانِ وَأَشَدُّهُمَا حَدَثُ اللِّسَانِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ إنِّي لاَُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ‏,‏ إلاَّ أَنْ أُحْدِثَ أَوْ أَقُولَ مُنْكَرًا ‏,‏ الْوُضُوءُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ‏.‏ وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ ‏:‏ الْوُضُوءُ يَجِبُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الْمُحَبَّرِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ كَذَّابٌ ‏,‏ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ ‏,‏ وَلَكِنْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقْلِيدِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ وَالْقَلْسِ ‏,‏ وَالأَخْذِ بِذَلِكَ الأَثَرِ السَّاقِطِ ‏,‏ وَبَيْنَ تَقْلِيدِ مَنْ ذَكَرْنَا هَهُنَا فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ ‏,‏ وَالأَخْذِ بِهَذَا الأَثَرِ السَّاقِطِ ‏,‏ بَلْ هَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ أَوْكَدُ لاَِنَّ الْخِلاَفَ هُنَالِكَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مَوْجُودٌ ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ يُعْرَفُ هَهُنَا لِعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ‏.‏

وَأَمَّا مَسُّ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ فَإِنَّنَا

رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ‏"‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه اسْتَتَابَ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ ‏,‏ وَأَنَّ عَلِيًّا مَسَّ بِيَدِهِ صَلِيبًا كَانَتْ فِي عُنُقِ الْمُسْتَوْرِدِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ فِي الصَّلاَةِ قَدَّمَ رَجُلاً وَذَهَبَ ‏,‏ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِحَدَثٍ أَحْدَثَهُ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ مَسَّ هَذِهِ الأَنْجَاسَ فَأَحَبَّ أَنْ يُحْدِثَ مِنْهَا وُضُوءًا ‏"‏

وَرُوِّينَا أَثَرًا مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بُرَيْدَةَ وَقَدْ مَسَّ صَنَمًا فَتَوَضَّأَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ ‏,‏ وَلَقَدْ كَانَ يُلْزِمُ مَنْ يُعَظِّمُ خِلاَفَ الصَّاحِبِ وَيَرَى الأَخْذَ بِالآثَارِ الْوَاهِيَةِ مِثْلَ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الأَثَرِ ‏,‏ فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَأْخُذُونَ بِهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا إلاَّ فِي خَبَرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْقُرْآنِ‏.‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ لاَ سِيَّمَا وَعَلِيٌّ رضي الله عنه قَدْ قَطَعَ صَلاَةَ الْفَرْضِ بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ‏,‏ وَمَا كَانَ رضي الله عنه لِيَقْطَعَهَا فِيمَا لاَ يَرَاهُ وَاجِبًا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لَعَلَّ هَذَا اسْتِحْبَابٌ

قلنا ‏:‏ وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ سَلَفَ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ

وَكَذَلِكَ الْمَذْيُ ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ دَعَاوٍ مُخَالِفَةٌ لِلْحَقَائِقِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَاغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ ارْتَدَّا ثُمَّ رَاجَعَا الإِسْلاَمَ دُونَ حَدَثٍ يَكُونُ مِنْهُمَا ‏,‏ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ بِأَنَّ الرِّدَّةَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ‏,‏ وَهُمْ يُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لاَ تَنْقُضُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ، وَلاَ غُسْلَ الْحَيْضِ ، وَلاَ أَحْبَاسَهُ السَّالِفَةَ ، وَلاَ عِتْقَهُ السَّالِفَ ، وَلاَ حُرْمَةَ الرَّجُلِ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ ‏,‏ فَهَلاَّ قَاسُوا الْوُضُوءَ عَلَى الْغُسْلِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَكَانَ يَكُونُ أَصَحَّ قِيَاسٍ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا ‏,‏

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}

قلنا هَذَا عَلَى مَنْ مَاتَ كَافِرًا لاَ عَلَى مَنْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ‏.‏ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏{‏ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ‏}

وقوله تعالى ‏{‏وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}‏ شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ قَاطِعَةٌ لِقَوْلِنَا ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخَاسِرِينَ ‏,‏ بَلْ مِنْ الرَّابِحِينَ الْمُفْلِحِينَ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْخَاسِرُ مَنْ مَاتَ كَافِرًا ‏,‏ وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ‏.‏

وَأَمَّا الدَّمُ الظَّاهِرُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ‏,‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ ‏,‏ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ

وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏

وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ لاَ حَائِضٌ

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا لاَ تُصَلِّي إلاَّ أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا فَحِينَئِذٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي ‏,‏ وَلَمْ يَحِدَّ فِي الطُّولِ حَدًّا ‏,‏ وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ أَوَّلُ الْحَمْلِ كَآخِرِهِ ‏,‏ وَيَجْتَهِدُ لَهَا ، وَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏:‏ أَنَّ الْحَامِلَ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ ‏:‏

قال أبو محمد ‏:‏ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ طَلاَقِ الْحَائِضِ وَأَمَرَ بِالطَّلاَقِ فِي حَالِ الْحَمْلِ ‏,‏ وَإِذَا كَانَتْ حَائِلاً

فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْحَائِضِ وَالْحَائِلِ غَيْرُ حَالِ الْحَامِلِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ ظُهُورَ الْحَيْضِ اسْتِبْرَاءٌ وَبَرَاءَةٌ مِنْ الْحَمْلِ ‏,‏ فَلَوْ جَازَ أَنْ تَحِيضَ الْحَامِلُ لَمَا كَانَ الْحَيْضُ بَرَاءَةً مِنْ الْحَمْلِ ‏,‏ وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ‏,‏ وَإِذَا كَانَ لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ عِرْقَ اسْتِحَاضَةٍ فَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ ، وَلاَ لِلْوُضُوءِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ

وَكَذَلِكَ دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ‏,‏ لاَِنَّهُ دَمُ حَيْضٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَعْدَ هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً ‏,‏ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ‏,‏ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏

وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَّ الْمَرْأَةَ عَلَى ثَوْبٍ ‏,‏ لاَِنَّهُ إنَّمَا لاَمَسَ الثَّوْبَ لاَ الْمَرْأَةَ ‏,‏

وَكَذَلِكَ مَسُّ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَبِغَيْرِ الْفَرْجِ وَالإِنْعَاظُ وَالتَّذَكُّرُ وَقَرْقَرَةُ الْبَطْنِ فِي الصَّلاَةِ وَمَسُّ الإِبْطِ وَنَتْفُهُ وَمَسُّ الآُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغَيْنِ وَقَصُّ الشَّعْرِ وَالأَظْفَارِ لاَِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ‏.‏ وَقَدْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ فِي أَكْثَرِهِ بَلْ فِي كُلِّهِ ‏,‏ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ ‏,‏ فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ قَرْقَرَةِ الْبَطْنِ فِي الصَّلاَةِ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ‏,‏ وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِي الإِنْعَاظِ وَالتَّذَكُّرِ وَالْمَسِّ عَلَى الثَّوْبِ لِشَهْوَةٍ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ‏,‏

وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوُضُوءِ فِي مَسِّ الإِبْطِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُجَاهِدٍ ‏,‏ وَإِيجَابَ الْغُسْلِ مِنْ نَتْفِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو‏.‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ الْوُضُوءُ مِنْ تَنْقِيَةِ الأَنْفِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُجَاهِدٍ وَذَرٍّ وَالِدِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ قَصِّ الأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّعْرِ ‏,‏

وَأَمَّا الدُّودُ وَالْحَجَرُ يَخْرُجَانِ مِنْ الدُّبُرِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْهُ مَالِكٌ ، وَلاَ أَصْحَابُنَا ‏,‏ وَقَدْ

رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ لاَ يُسْنَدُ‏.‏

وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالدَّمُ الأَحْمَرُ فَسَيُذْكَرُ فِي الْكَلاَمِ فِي الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ حُكْمُهُ وَإِنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ عِرْقًا ‏,‏ فَإِذًا لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ عِرْقًا فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ‏.‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

وَأَمَّا الضَّحِكُ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّا

رُوِّينَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَثَرًا وَاهِيًا لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ إمَّا مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ صُبَيْحٍ وَمَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ ‏,‏

وَأَمَّا مُسْنَدٌ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي الْمَلِيحِ ‏,‏

وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

فأما حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادَةَ التَّتَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي حَيْلَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ ‏,‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ ‏,‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ

وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ‏,‏

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَفِيهِ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ‏,‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ فَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ‏.‏ وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي الْقُرْآنِ أَوْ أَثَرٍ صَحِيحٍ مُسْنَدٍ‏.‏ وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الأَخْبَارِ حَتَّى ادَّعَوْا التَّوَاتُرَ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَالْقَائِلِينَ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ وطَاوُوس أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الآثَارِ ‏,‏ فَإِنَّهَا أَشَدُّ تَوَاتُرًا مِمَّا ادَّعَوْا لَهُ التَّوَاتُرَ ‏,‏ وَأَكْثَرُ ظُهُورًا فِي عَدَدِ مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ ‏,‏ وَسَائِرُ مَا قَالُوا بِهِ مِنْ الْمَرَاسِيلِ‏.‏

وَكَذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ الْمُخَالِفِينَ الْخَبَرُ الصَّحِيحَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَفِي حَجِّ الْمَرْأَةِ عَنْ الْهَرِمِ الْحَيِّ وَفِي سَائِرِ مَا تَرَكُوا فِيهِ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ لِلْقِيَاسِ أَنْ يَرْفُضُوا هَذَا الْخَبَرَ الْفَاسِدَ قِيَاسًا عَلَى مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الضَّحِكَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ ‏,‏ فَكَذَلِكَ لاَ يَجِبُ أَنْ يَنْقُضَهُ فِي الصَّلاَةِ ‏,‏ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَطَّرِدُونَ الْقِيَاسَ ، وَلاَ يَتَّبِعُونَ السُّنَنَ ، وَلاَ يَلْتَزِمُونَ مَا أَحَلُّوا مِنْ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَالْمُتَوَاتِرِ ‏,‏ إلاَّ رَيْثَمَا يَأْتِي مُوَافِقًا لاِرَائِهِمْ أَوْ تَقْلِيدِهِمْ ‏,‏ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ رَافِضِينَ لَهُ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَآرَاءَهُمْ‏.‏ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏.‏ وَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ فِي أَيِّ قُرْآنٍ أَوْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ أَوْ فِي أَيِّ قِيَاسٍ وَجَدْتُمْ تَغْلِيظَ بَعْضِ الأَحْدَاثِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا ‏,‏ وَتَخْفِيفُ بَعْضِهَا قَدْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلاَّ مِقْدَارًا حَدَّدْتُمُوهُ مِنْهَا وَالنَّصُّ فِيهَا كُلِّهَا جَاءَ مَجِيئًا وَاحِدًا ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ، وَلاَ يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ أَنَّ بَعْضَ الْحَدَثِ حَدَثٌ ‏,‏ فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ‏,‏ وَمَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَكَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏